أهداف خطبة الجمعة

لا شك أن لكل عمل - مهما كان دقيقا أو جليلاً - هدفًا يسعى إلى تحقيقه وتحصيله، وحيث إن لخطبة الجمعة أهمية كبيرة، ومنزلة عظيمة في الشريعة الإسلامية فلا بد أن يكون لها أهداف تتناسب وتلك الأهمية، وأهم تلك الأهداف. 

وعظ الناس وتذكيرهم: 
من أعظم أهداف خطبة الجمعة وعظ الناس وتذكيرهم بما يقربهم إلى مولاهم -سبحانه وتعالى- وبما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم، ولأهمية التذكير والوعظ في خطبة الجمعة سميت بالذكر، كما في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ سورة الجمعة آية: 9


قال الإمام القرطبي - رحمه الله - عند تفسير قوله تعالى: (إلى ذكر الله) قال: "أي: الصلاة، وقيل: الخطبة والمواعظ". وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه -: )... فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ( 


وقد عدّ بعض العلماء الوصية بتقوى الله ركنا من أركان الخطبة لا تجوز بدونها، ولا يتعين لفظها بل يقوم مقامها أي لفظ دل عليها، قال الإمام النووي:" وهل يتعين لفظ الوصية؟ فيه وجهان، الصحيح الذي نص عليه الشافعي وقطع به الأصحاب والجمهور: أنه لا يتعين، بل يقوم مقامه أي وعظ كان" . 

وقد أمر الله عز وجل بالتذكير، وأنه ينفع المؤمنين، قال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ   سورة الذاريات: 55

 

ومما يدل على حرص النبي - صلى الله عليه وسلم- على تذكير الناس ووعظهم من خلال خطبة الجمعة، وأن تذكير الناس هدف من أهداف خطبة الجمعة السامية ما يأتي من الأحاديث الشريفة التالية: 

الأول: روى جابر بن سمرة - رضي الله عنهما- قال: ) كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- خطبتان يجلس بينهما، يقرأ القرآن، ويذكر الناس (. 


فهذا الحديث الشريف يدل دلالة واضحة على مداومة النبي -صلى الله عليه وسلم- على تذكير الناس ووعظهم في كل خطبة جمعة. 


الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحرص في خطبة الجمعة على قراءة الآيات التي فيها تذكير بأمور الآخرة، وما فيها من الزواجر والأهوال، فقد أخرج الإمام مسلم عن بنت لحارثة بن النعمان - رضي الله عنها- قالت: "ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يخطب بها كل جمعة" . 


قال الإمام النووي - رحمه الله - : "قال العلماء: سبب اختيار (ق) أنها مشتملة على البعث، والموت، والمواعظ الشديدة، والزواجر الأكيدة". 
الثالث: ومما يدل على حرص النبي - صلى الله عليه وسلم- على تذكير الناس ووعظهم من خلال خطبة الجمعة ما أخرجه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال) كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول:  صبحكم ومسّاكم، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين" ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ( . 


ولا شك أن حال النبي - صلى الله عليه وسلم - أثناء خطبته من احمرار العينين، وارتفاع في الصوت، واشتداد الغضب كل ذلك مدعاة للتأثير على السامعين ووعظهم، وبخاصة إذا قرنت بالتذكير بأمر من أمور الآخرة كما في هذا الحديث.

 

.

 

الغرض من خطبة الجمعة

ذكر العلماء بعض الأغراض لخطبة الجمعة، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  1.      الوصية بتقوى الله تعالى والأمر بطاعته والزجر عن معصيته كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوصي بذلك. 
  2.      أصول الإيمان وتقويته في القلوب وتثبيت العقيدة الصحيحة بتلاوة آيات من كتاب الله وذكر شيء من المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من البيان، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - كثيرا ما يخطب بسورة (ق) على المنبر. 
  3.        الدعوة إلى الصلاح والإصلاح والتمسك بأمور الشريعة وإقامة الحق، والعدل والحث على مراعاة وحدة هذه الأمة والتحذير مما يضعفها، ونشر الفضائل، وترقيق القلوب بالوعظ والتذكير المشتمل على التزهيد في الدنيا والتذكير بالموت وأحوال البرزخ وأهوال البعث والحشر وعرصات القيامة وأحوال الناس فيها وذكر صفة الجنة والنار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 
  4.        توضيح العبادات والأحكام وتفصيل الحلال والحرام، وتفقيه المسلمين وتعليمهم حقائق دينهم. 
  5.        التذكير عند المناسبات الشرعية مثل رمضان والحج ونحوهما بذكر فضلها وبيان ما يحتاج الناس إليه من أحكامها والحث على اغتنامها والاجتهاد فيها. 
  6.        تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام ورد الشبهات التي يثيرها أعداؤه للصد عنه، وذلك بأسلوب بليغ وبرهان ساطع حكيم بعيدا عن المهاترات والسباب والتشهير. 
  7.      الحث على لزوم السنة والتأسي بأهلها والتحذير من البدعة والزجر عنها بذكر شؤمها وسوء عاقبة أهلها. 
  8.      بيان مواقف وأقوال أهل العلم المجمع على إمامتهم في الدين، في القضايا والحوادث الآنية، والنوازل العامة، وتذكير المستمعين بوجوب الرجوع إلى العلماء فيما يشكل عليهم من أحكام هذه المعضلات. 
  9.        التحذير من الفتن ببيان خطرها على الدين وسوء عاقبتها على المسلمين والتذكير بأسباب النجاة والعصمة منها والواجب نحو أهلها. 
  10.   تثبيت معنى الأخوة في الإسلام ووحدة أمته والحث على تحقيق مقتضياتها والبعد عن كل ما من شأنه أن يثير الفتنة الطائفية أو يهيج النزاعات العرقية.

 


http://www.saaid.net/aldawah/199.htm

أما الهدف العام فيوضحه قول الإمام ابن القيم - رحمه الله - حيث يقول : يقصد بها - أي خطبة الجمعة - الثناء على الله وتمجيده والشهادة له بالوحدانية ولرسوله بالرسالة ، وتذكير العباد بأيامه وتحذيرهم من بأسه ونقمته ، ووصيتهم بما يقربهم إليه وإلى جنابه ، ونهيهم هما يقربهم من سخطه وناره ، فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع إليها .

وكلما ابتعدت خطبة الجمعة عن هذا الهدف العام صارت صورة لا روح فيها ويقل أثرها أو ينعدم على المصلين .

إن صعوبة الاختيار لخطبة الجمعة يرجع في كثير من الأحيان إلى عدم وضوح الهدف العام من الخطبة ، وربما كانت الأهداف الخاصة الصغيرة تطغى على الهدف العام وتقلل منه فيقل أثرها تبعاً لذلك ، وأشير فيما يلي إلى بعض الضوابط لاختيار خطبة الجمعة :

1- معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة ، قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( كان خطبه صلى الله عليه وسلم إنما هي تقرير لأصول الإيمان من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وذكر الجنة والنار وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته وماأعد لأعدائه وأهل معصيته ، فيملأ القلوب من خطبته إيماناً وتوحيداً ومعرفة بالله وأيامه ، لا كخطب غيره التي إنما تفيد أموراً مشتركة بين الخلائق وهي النوح على الحياة والتخويف بالموت ، فإن هذا أمر لا يحصل في القلب إيماناً بالله ولا توحيداً له ، ولا معرفة خاصة به ولا تذكيراً بأيامه ، ولا بعثاً للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه ، فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة غير أنهم يموتون وتقسم أموالهم ويبلى التراب أجسامهم فياليت شعري أي إيمان حصل بهذا ؟ وأي توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به ؟ وقال أيضاً : ( ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد ، وذكر صفات الرب جل جلاله ، وأصول الإيمان الكلية ، والدعوة إلى الله تعالى ، وذكر آلائه التي تحببه إلى خلقه وأيامه التي تخوفهم من بأسه ، والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إ!
ليه ، فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه ، فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم .

2- مراعاة نوع المصلين واهتمامهم واحتياجاتهم ، فتختلف احتياجات المجتمع الزراعي عن المجتمع الصناعي ، وتختلف الاحتياجات تبعاً للمستوى التعليمي والتركيب العمري ولابد للخطيب من مراعاة ذلك وأن يكون الحكم للغالب .

3- مراعاة الزمن الذي تلقي فيه الخطبة والعادات والأعراف ويتعلق بذلك مراعاة المناسبات كرمضان والأعياد والحج والإجازات ، والظواهر الاجتماعية أو السلوكية الطارئة ، والحوادث العارضة الجفاف والزلازل والأمراض وغيرها .

4- ضرورة التنويع في الخطب فلا تأخذ الخطب نمطاً واحداً ، بل يكون للخطيب القدرة على التنويع في افتتاح الخطبة وموضوعاتها واختتامها ، لئلا يمل المصلون ، ولأن في التنويع تشويقاً وحفزاً على الاستماع والإنصات .

5- ضرورة التسلسل والارتباط في الخطبة ، حيث إن موضوع الخطبة قد يأخذ عدة عناصر فلا بد من مراعاة تسلسلها وارتباطها ببعض لئلا يتشتت ذهن السامع .

6- ضرورة التكامل بين الخطيب وغيره من خطباء الحي الواحد أو المدينة الواحدة ، ولابد من التكامل أيضاً عند الخطيب في خطبه حيث تلبي احتياجات الفرد والمجتمع خلال فترة زمنية معينة ، فلا يغلب جانب السلوك مثلاً ويهمل جانب العقيدة أو يتوسع في الأحكام حتى لا يبقى مجال لغيرها ، فالتكامل يعني أن يتولى الخطيب عرض المعلومات المناسبة في الجانب العقدي والتشريعي والاجتماعي والسلوكي والأخلاقي.

وأخيراً فإن مما يعين الخطيب على حسن اختيار الخطبة توافر الصفات الأساسية من الفقه في الدين والعمل به ، والثقة بالنفس والاستشارة لأهل العلم والخبرة . ولا يعني اختيار الموضوع ألا يتجاوز الخطيب موضوع الخطبة إلى غيره ، ولا سيما عند وجود ما يستدعي ذلك من الحوادث العارضة .

أما توثيق خطبة الجمعة فحقه أن يفرد بالحديث ولكن أوجز ما يتعلق به في أمرين :
الأول : يختلف الخطباء في مسألة التوثيق فبعضهم يتساهل حتى يورد الأخبار الضعيفة والموضوعة ويكتفي بمجرد النقل دون تمحيص أو تحقيق وتكمن خطورة هذا الأمر أن كثيراً من الناس يعدون الصواب ما قيل في المحراب ، وعلى النقيض من هذا الصنف هناك من يسهب في التخريج والتوثيق وربما قال : رواه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في المجمع وفيه بقية بن الوليد وهو مدلس وبقية رجاله ثقات ... في كلام يطول ويشتت أذهان المصلين وقدر من ذلك أحياناً مطلوب إذا اقتضته الحاجة والمصلحة لتصحصح مفهوم سائد أو إزالة شبهة أما أن يكون المنبر ميداناً للتوثيق العلمي فهذا لا يسوغ لأن المستفيدين من الخطبة من عامة الناس .

الثاني : بعض الخطباء يعتمد في خطبة الجمعة على الكتب المؤلفة في هذا الشأن فينقلها بنصها دون زيادة أو تعديل أو يقوم بتصويرها ، وقد يقتضي ذلك أن يتشبع بما لم يعط ويظن عامة المصلين أنها من إعداده وهي ليست كذلك والسؤال هنا هل يعد هذا خطيباً أم قارئاً للخطب ؟

إن من تكرم من العلماء بتأليف كتب تحوي مجموعة من الخطب إنما فعلوا ذلك لنشر الخير بين الناس ولإعانة الخطباء على إعداد الخطبة ولذلك فإن هذه الكتب المؤلفة لبنة في طريق إعداد الخطيب وليس كل من امتلك عدداً من الكتب يكون خطيباً .. ولا شك أنه ينبغي التفريق بين طالب العلم وغيره ممن لا يستطيع إعداد الخطبة ولا يوجد من يقوم بها غيره .